أعمدة رأي

محيي الدين شجر يكتب : الصحافة الإلكترونية بين التهميش والتقييد: هل تُكافأ بصياغة قانون يُقيدها؟

محيي الدين شجر يكتب : الصحافة الإلكترونية بين التهميش والتقييد: هل تُكافأ بصياغة قانون يُقيدها؟

بينما تتجه أنظار الوسط الإعلامي في السودان نحو ورشة مناقشة مقترحات تعديل قانون الصحافة والمطبوعات لسنة 2009، التي انعقدت بمدينة بورتسودان، اليوم تتصاعد المخاوف من أن تتحول هذه الخطوة – التي يُفترض أن تدعم حرية الصحافة – إلى وسيلة جديدة لتقييد الصحافة الإلكترونية، رغم أنها أصبحت ركيزة الإعلام السوداني في زمن الحرب.

فمنذ اندلاع حرب “الكرامة”، توقفت جميع الصحف الورقية عن الصدور، ودُمّرت المطابع والمقار، وانعدمت البنية التحتية للصحافة التقليدية، لتبرز الصحافة الإلكترونية كقناة أساسية – وأحيانًا وحيدة – لنقل الأخبار وتشكيل الرأي العام. ورغم الإمكانات المحدودة، برزت عشرات المنصات الإعلامية الرقمية من داخل السودان، وقف وراءها صحفيون اختاروا البقاء وسط النيران، ومارسوا مهنتهم تحت الأشجار وفي ظروف بالغة الصعوبة.

هذه الصحافة الرقمية لم تكن خصمًا للوطن، بل جزءًا من معركة الدفاع عنه، حيث انحازت معظمها بوضوح إلى صف القوات المسلحة في مواجهة مليشيا الدعم السريع، وأسهمت في كشف جرائم التمرد، ورفع وعي المواطنين، والتصدي لحرب الشائعات. ولهذا، يرى كثيرون أن التفكير في فرض قيود أو رسوم أو تعقيدات على هذا القطاع، يمثل خذلانًا لمن حملوا عبء الحقيقة في زمن الصمت.

ورغم ذلك، لم تُدعَ شخصيات تمارس الصحافة الإلكترونية للمشاركة في الورشة، كما لم يُستشر الصحفيون الذين بقوا داخل البلاد خلال الحرب. وقد وصف مراقبون هذا التجاهل بأنه خطأ جسيم يُفقد الورشة توازنها المهني ومصداقيتها التشريعية، إذ لا يمكن صياغة قانون ينظم قطاعًا ما دون إشراك من يمارسونه ميدانيًا، خصوصًا من أثبتوا جدارتهم في أحلك الظروف.

في كلمته خلال افتتاح الورشة، حاول نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق مالك عقار تهدئة المخاوف، إذ أكد أن الصحافة ليست مهددًا أمنيًا، مشددًا على دعم المجلس الكامل لحرية الإعلام، وداعيًا إلى شراكة بين الصحفيين والحكومة والمؤسسات الصحفية، من أجل خدمة المصالح الوطنية العليا.

وأشار عقار إلى ضرورة معالجة القضايا التشريعية المتعلقة بتداخل الصلاحيات، وغياب الضمان المؤسسي، والقيود المفروضة على النشر، فضلًا عن تنظيم الصحافة الإلكترونية والتقاضي في قضايا النشر، بما يضمن عدم استغلال القانون لتصفية الحسابات أو كمّ الأفواه.

وزير الثقافة والإعلام، خالد الإعيسر، أشار بدوره إلى أن البلاد تمر بمرحلة تتطلب إصدار تشريعات جديدة تحصّن الحريات، وتواكب التحول الرقمي، وتراعي بروز الصحافة الإلكترونية وصحافة المواطن، مؤكدًا أن الإعلام له دور محوري في ترسيخ الديمقراطية، وتوجيه الرأي العام، وصون السيادة الوطنية.

لكن رغم هذه التصريحات الإيجابية، يظل القلق مشروعًا؛ إذ لا تزال تجارب التضييق في عهد النظام السابق حاضرة في الأذهان، حين كانت الصحف الورقية تُرهق بالضرائب، وتُواجه بالمصادرة والرقابة. اليوم، يخشى الصحفيون الرقميون من أن يتم تعميم الأساليب ذاتها على المواقع الإلكترونية، عبر تراخيص مرهقة، أو رسوم مالية، أو شروط معقدة تؤدي في نهاية المطاف إلى التضييق لا التنظيم.

إن الاعتراف القانوني بالصحافة الإلكترونية لم يعد خيارًا، بل ضرورة وطنية، ولكن على ألا يُستخدم القانون كأداة قمع جديدة. المطلوب تشريع عادل يواكب المتغيرات، يكرّم من صمدوا في زمن الحرب، لا أن يُقصيهم، ويضمن بيئة مهنية حرة لا تخضع لابتزاز سياسي أو مالي.

لقد آن الأوان لأن يُنظر إلى الصحافة الإلكترونية كشريك وطني في معركة الوعي، لا كخطر يجب تحجيمه. فهؤلاء الصحفيون الذين آثروا البقاء، وواصلوا العمل وسط الدمار، لا يستحقون التهميش، بل يحتاجون إلى دعم وتشريعات تكرّس لحرية الإعلام، وتحميهم من عسف القانون.

في ختام الورشة، يأمل الوسط الصحفي أن تتحول التوصيات إلى بنود قانونية تفتح آفاق الحرية، لا أن تغلقها، وأن تكون انطلاقة لقانون يليق بوطن يشق طريقه نحو الديمقراطية، لا خطوة للخلف في مسيرة الحريات.

محيي الدين شجر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى